لماذا تخطئ أنظمة السمات الحيوية؟!
فهل السمات الحيوية وبصمات الأصابع تحديداً تتكرر أو تتغير؟! أم أن الأنظمة التقنية غير موثوقة؟!
في رأيي وجمعا بين الرأي الأكاديمي والخبرة العملية أقول إن للجواب تفصيلا حيث لا يكاد يخلو الخطأ من احتمالين:
الأول: تطابق سمات فرد مع آخر بالخطأ، فأقول أن الأنظمة الجيدة لا تخطئ في قرار المطابقة مالم يكن هناك فعلا تطابق، ولكن حكم نظام ما على سمات شخصين مختلفين بأنهما متطابقين لا يعني التطابق الحرفي والحقيقي تقنياً ولا برمجياً وإن ظهر للمشغل قرار المطابقة؛ وذلك لأن جميع أنظمة السمات الحيوية لا تقارن جميع البيانات المستخرجة من السمة، بمعنى أن أي برنامج للمقارنة بين بيانات بصمتين على سبيل المثال لا يعتمد على صورة البصمة كاملة وقرار المطابقة يستحيل أن يكون مشروطاً بنسبة تطابق 100%، بل في الواقع أن معظم الخوارزميات تصدر قرار التطابق عندما يحدث تطابق بنسبة 40% إلى 70% من بيانات البصمة، وتلك النسبة قد تتطابق فعلا بين أشخاص مختلفين، بمعنى أن تتشابه بصمة فلان بنسبة 50% أو 60% مع بصمة غيره، لاسيما إذا كان النظام يحتوي على قاعدة بيانات هائلة بعشرات أو مئات الملايين.
ولربما قال قائل لماذا لا يكون شرط المطابقة في النظام 100%؟ والجواب ببساطة أنه لو تحقق ذلك فعلا لفشل النظام في التعرف على بصمات معظم الأشخاص المسجلين لديه، لأن بيانات أي سمة حيوية معرضة للتغير الطفيف بمختلف الظروف، فالبصمة على سبيل المثال حين تتعرض لطارئ كجرح أو قطع يسير أو حرق أو تورم ستفقد بالتأكيد جزء من بيانات المقارنة وتتغير قيمة بياناتها ولو بشكل مؤقت، وحينها إذا كان شرط التطابق 100% لن يتعرف النظام على صاحب السمة المسجل لديه، وسيواجه المتعاملين مع النظام إشكالاً كبيراً وخللاً واضحاً، فكان لزاماً على المطورين أن يخفضوا نسبة التطابق بقدر معين حسب طبيعة النظام وحجم قواعد البيانات المتوقعة ومعايير أخرى أكثر تعقيدا.
السبب الآخر لحدوث تطابق خاطئ هو الخطأ البشري عند تخزين السمات الحيوية، بمعنى أن يقوم المشغل بأخذ سمات أ من الناس ويسجلها على سجل ب من الناس ويسجل سمات ب على سجل أ عن طريق الخطأ، فعند إذ سيكون هناك تطابق خاطئ عندما يعرف أ نفسه للنظام فيكون قرار النظام أن أ من الناس هو ب وليس أ ! والعكس صحيح.
الثاني: فشل النظام في التعرف على منسوبيه، مثال سجلت بصمات خالد كمرحل من البلاد مع منع دخول، فعاد إلى البلاد بجواز سفر مختلف واسم وبيانات وصفية مختلفة، وعند مسح بصماته لم يتعرف النظام عليه فسمح له بالدخول!
لهذه الحالة عدة أسباب واردة:
- أن تكون البصمات المسجلة مسبقاً كانت بجودة سيئة أو بطريقة خاطئة، وعند مسح بصماته الحية لم تتطابق مع بيانات بصماته السابقة المخزنة في النظام، وهنا يقع الخطأ بشكل رئيس على المشغل، سواء أكان ما حدث عن جهل أو تعمد وتواطؤ، وقضية ضعف الجودة تؤرق كثير من الأنظمة الحيوية حول العالم، لأن عواقبها ليست مباشرة، وقد نتطرق لها لاحقاً في موضوع مستقل بشيء من التفصيل والتوصيات بشأن جودة قواعد بيانات السمات الحيوية وتقنيات أجهزة المسح لما للأمر من أهمية بالغة.
- أن تكون بصمات الشخص قد تشوهت بياناتها بالفعل، ويحدث ذلك لعدة أسباب، أهمها تعرض السمة أو الأصابع لمرض ما كمرض السكري في بعض مراحله أو بعض الأمراض الجلدية أو أن يتعمد الشخص طمس وتشويه ملامح بصماته بالقطع أو الحرق أو غيره، وهنا تتجلى أهمية الأنظمة متعددة الأنماط، كالتي تستخدم بصمات الأصابع وقزحية العين مثلا، فيكون لزاماً على المشغل إذا تعذر سمح سمة حيوية معينة كالبصمة مثلا أو لاحظ وجود تشوهات أن يستخدم النمط الآخر مباشرة.
- خطأ في الاتصال بقواعد البيانات أو حذف بيانات البصمات من قواعد البيانات قبل عملية المسح الحي سواء كان الحذف عمداً أو لخلل ما في قواعد البيانات الغير احترافية.
وبشكل عام تلك الأخطاء بمختلف أسبابها لا تكاد تذكر مقارنة بأخطاء الأنظمة الأخرى غير الحيوية، ولكن حدوث حالة واحدة خاطئة كفيل بإظهارها على السطح لا سيما إذا صاحب ذلك سبق صحفي وتسابقت وسائل الإعلام المختلفة لنشره، فيحكم بعض العامة بفشل ملايين الحالات الناجحة لحدوث حالة أو بضع حالات خاطئة، كالقضية الشهيرة التي حدثت في اسبانيا عام 2004م عندما مسحت بصمات بعد حادثة إرهابية فتطابقت البصمات بقواعد بيانات "إف بي آي" في أمريكا لمواطن أمريكي كان فعلا متواجداً في اسبانيا، وأعلنت المحكمة إدانة المتهم وبعد فترة قليلة قبض على شخص آخر قام بعملية إرهابية أخرى فوجدت بصماته منطبقة أكثر مع البصمات المأخوذة من مسرح الحادثة الأولى، فاعترف الجاني الثاني وبرأت المحكمة المتهم الأول، وكانت هذه القضية سبباً لنشر الأكاديمية العلمية الوطنية الأمريكية بأمر من الكونغرس الأمريكي تقرير علمي يشكك في حتمية علم البصمات، وأن لا يعد دليلا دامغا وحيدا للإدانة في المحاكم.